10 يوليو 2021

فى سياق أرض النفاق

قررت يوما أن أتخلى عن عشوائية ملابس والتى كانت توحى للبعض بكونى إما زاهدا او فنان بوهيمى
فارتديت مستعيرا بعض من أنيق ملابس اخى وأخذت اتجول بين مقاهى ومكاتب إدارات بلدتنا التى كساها التراب  فلا إختلاف كبير بينهما ففى كلاهما تقدم المشاريب و تمتدد وجبات إفطار العاملين على طاولتهما و تعرض سلع الباعة الجائلين .
فهنا جوارب وهنا ملابس داخلية واحيانا أقلام وادوات منزلية .
وقد غر البعض شكل ملابس التى لا أملكها وقلة كلامى الناتجة عن فكر مستمر ممزوج بصداع متقطع .
فأوجسو منى خيفة وإرتابو فى أمرى هل صمته هذا دهاء وحيلة ام انه عدم او قلة معرفة بما يدور حوله . فتعاملو معى كما لو كنت المفتش العام الذى جاء متنكرا  لرصد مخالفاتهم الجلية .
ولإدراكى بغبائهم المتأصل فقد أحجمت عن إقتلاع تلك الفكرة من رؤسهم وتعاملت معهم فرأيت اشباه الأدميين .
فهم يعيشون فى مستنقع كريه الرائحة يكاد ضباب النفاق فيه يخفى كل شيئ ولكنهم بكل أسف إعتادو تلك الراحة العفنة بل انهم إستحسنوها .
وقابلت منهم دوما إبتسامات مصطنعة لا تختفى وسمعت بإستمرار مدح وإطراء لرؤسائهم و المسؤلين فى مؤسساتنا تلك المحتلة من هؤلاء المتلونين .
يتغنو بمدح فيهم يصل لدرجة التقديس  المؤقت  الذى سرعان ما يتحول إلى لعنات بعد رحيل هذا المسؤل سواء بنقل او بخروج للمعاش .
فالكل يسعى لرفع إيقاع نغمات الثناء لعله ينال الرضا ويحظى بالقرب . والكل يدعى أنه اخلص المخلصين والأكثر وطنية وتضحية والغالبية يرقصون على تلك النغمات  رقصة اشبه بالحركات الميكانيكية المعدة مسبقا فلا ترى فيها تلقائية وعفوية المحب المخلص . فكلهم يسعون لخطف الكاميرات . فكلما زاد الرقص والقفز وكلما إرتفع صوت طيلته كلما كان من الأوائل المقربون .
جالست بعضهم بل وربطتنى بهم علاقات واهية مؤقتة . ايقنت خلالها أن بلادنا لن تتقدم طالما ظل هؤلاء وأمثالهم نائمون فى مكاتب مؤسساتنا ومصالحنا بل ويورثونها .
لا أحد يعمل . لا احد يجتهد . لا احد يبدع  إلا فى مدح المدير ونقل أخبار زملائه بالسوء وإعطاء نفسه عدة ألقاب زائفة وإن بحثت فى اعماقهم تجدهم فراغ لا علم ولا ثقافة ولا إخلاص إلا لنفوسهم و الأنا لديهم .
ولكن لماذ هم متألقون ومسلط عليهم الأضواء فى أروقة مكاتبهم الهشة  سؤال طرحته على الأخرون من زملائهم الأقل صخبا . فأجابونى بيأس هذا بسبب المسؤل القابع فى الدرجة الأعلى والذى يتجنب و يخشى ألسنتهم او لأنه  مخدوع بألقابهم المزيفة و لا يريد ان يعكر صفو مدته القليلة الباقية على الكرسى